عام

بعد فُستان رانيا يوسف ومافيا محمد رمضان… ”إيلون موسك“ وشاحنة تيسلا الجديدة

إثارة الجدل صُنعة. لكن الفرق بين الجنون والذكاء شعرة تُفرّق ما بين فُستان رانيا يوسف ومُعلّقات ”حمّو بيكا“ و“النمبر ون“ محمد رمضان، وما بين شاشة ”آيفون إكس“ (iPhone X) أو شاحنة ”تيسلا“ (Tesla) الكهربائية الجديدة المعروفة باسم ”سايبرتراك“ (Cybertruck) التي تم الكشف عنها قبل أيام قليلة فقط، والتي لم يُصدّق البعض حتى الآن أن ”إيلون موسك“ (Elon Musk) الذي يحلم باستيطان المرّيخ وافق على تصميمها(1).

نسخ، لصق

ذكر ”موسك“ خلال مؤتمر الكشف عن الشاحنة الكهربائية الجديدة أن أكثر من مليون ونصف المليون شاحنة بيعت حتى الآن منذ بداية 2019، وهي شاحنات تتشابه إلى حد كبير في التصميم. أو مثلما قال ”ماركيز براونلي“ (Marques Brownlee)، عند البحث عن أكثر خمس شاحنات بيعت على مدار الأعوام السابقة، هناك شاحنة ”فورد إف150“ (Ford F150)، وهناك شاحنات أُخرى تُشبه ”فورد إف150“(2).

نفس الأمر يتكرّر في سوق الهواتف الذكيّة، هناك شركتين أو ثلاث تقوم باستثمار الملايين لتقديم تصاميم جديدة، حتى ولو كانت مُثيرة للجدل، وهناك عشرات الشركات الأخرى، مثل ”شاومي“ (Xiaomi) على سبيل المثال لا الحصر، التي تقبع في المراتب الأولى على مستوى المبيعات حول العالم إلا أن مُعظم أجهزتها بتصاميم ”مُقتبسة“ تارة من آبل، وتارة أُخرى من ”هواوي“ أو سامسونغ.

الآن، تخيّل أن تمتلك شركة ترغب في تغيير طريقة حفر الأنفاق على الرغم من أنها غير مُختصّة بهذا الأمر بالأساس، لا هي ولا حتى مؤسّسيها، فما هي الطُرق الأمثل للحصول على تمويل ودعم من الجمهور حول العالم؟ الحديث هنا عن ”موسك“ نفسه، وعن شركة ”بورينغ كومباني“ (The Boring Company) التي أطلقها فقط لأنها علق في ازدحام مروري وقرّر العثور على حل منطقي يُخلّصه منه(3).

لجأ ”موسك“ بداية إلى بيع قُبّعات الرأس مُقابل 20 دولار للقطعة الواحدة، وهو مبلغ كبير بعض الشيء لقاء هذا النوع من المُنتجات، إلا أن الوعد الذي أطلقه هو السبب الذي دفع الجميع لشراء الكميّة كاملة، 50 ألف قطعة، خلال ساعات قليلة فقط.

الوعد هو بيع ”قاذفات لهب“، وبما أن القُبّعات بيعت وجلبت له مليون دولار أمريكي تقريبًا، طرح ”قاذفات اللهب“ بسعر 500 دولار للقاذفة الواحدة، لتنفذ الكميّة فورًا ويجمع 10 مليون دولار أمريكي  ذهبت لشركة ”بورينغ كومباني“ التي ما زالت مُستمرّة في مشاريعها وتطمح في الحد من مشاكل الازدحام المروري في ساعات الذروّة(4).

آبل

لو وضعنا اليوم آخر ثلاثة هواتف من إنتاج شركة آبل، آيفون ”إكس“ (iPhone X) و“إكس إس“ (XS)، بالإضافة إلى 11، جنبًا إلى جنب لما تمكّنا من رصد الاختلاف من النظر إلى الشاشة فقط، فالأجهزة الثلاثة بنفس التصميم والحجم تقريبًا. لكن وبمجرّد النظر للوجه الخلفي يُمكن معرفة الفروقات بشكل فوري، وهذا من خلال الكاميرا التي كانت في يوم من الأيام تحت النيران، وتحديدًا كاميرا ”آيفون 11“.

سوق السمّاعات اللاسلكيّة الذكيّة لم توجده آبل، إلا أن الشركة التي دخلته رسميًا مع نهاية 2016 نجحت في تصدّره، فبحسب الأرقام، باعت آبل 16 مليون سمّاعة ”إير بودز“ (Airpods) خلال 2017، و28 مليون في 2018، مع توقّعات بوصول الرقم إلى 80 مليون مع نهاية 2019(5). سمّاعات ”إير بودز“ هي الأُخرى أثارت الجدل وقت إطلاقها، فالسوق لم يشهد سمّاعة لاسلكيّة مع نتوء خارج من الأذن بشكل غريب جدًا، حيث اكتفت جميع الشركات بتوفير سمّاعات توضع داخل الإذن فقط، مع سلك بسيط يوجد المايكروفون عليه، في وقت خصّصت آبل فيه النتوء لهذا الغرض، أي وضع المايكروفون بشكل مُريب.

وبما أن الحديث عن آبل، لا يُمكننا نسيان نتوء الشاشة في هواتفها الذكيّة منذ ”آيفون إكس“، في وقت كانت الشركات تُفضّل فيه تصغير حجم الجبهة العلوية للجهاز، أو ترك فتحة بسيطة داخل الشاشة للكاميرا. غرابة التصميم دفعت سامسونغ للسُخرية من آبل في إعلاناتها بشكل مُباشر لأن الأمر أثار جدلًا واسعًا، دون نسيان تصميم ساعة آبل الذكيّة المُربّع بعد سنوات من الاعتياد على ساعات اليد الدائرية.

وجدّتها!

هل كان ”موسك“ عاجزًا عن البحث عن ممول للحصول على تمويل جريء لشركته الجديدة، ”بورينغ كومباني“؟ أم هل كان عاجزًا عن العثور على أفضل شركة لإنشاء حملة تسويقية تجعل اسم الشركة مطروقًا لدى الجميع؟ بكل تأكيد لا، لكن ”موسك“ خاطب الجمهور بلغتهم، خاطب السوق بصيحته الحاليّة، إثارة الجدل.

في عصر يُسيطر فيه ”الإنفلونسرز“ (Influencers) على الشبكات الاجتماعية، لم تعد الوجوه المألوفة التي شقّت طريقها للنجومية عبر تخطيط وتعب تفي بالغرض إلا فيما ندر. وتجدر الإشارة هنا إلى أن نسبة كبيرة من أباطرة الشبكات الاجتماعية اليوم ليسوا ممن كافحوا وافترشوا الأرض للوصول لغاياتهم، فأعتى معاركهم كانت في صفوف المدرسة الابتدائية أو في الاستراحة ما بين الحصص الدراسية للحصول على ”سناك“ خفيف يسدّ رمقهم في رحلة الكفاح تلك.

وبناءً على ما سبق، قرّر ”موسك“ بيع قاذفات اللهب لإثارة جدل الشبكات الاجتماعية لتسليط الضوء على مشروعه الجديد لا أكثر. أما آبل، فهو ليست عاجزة، بحنكة ”جوني إيف“ (Jony Ive)، عن إطلاق مُنتج مُميّز مثلما هو مذكور في الكتاب، ولا حتى عن تصميم كاميرا ثلاثية أفضل من ”رؤوس الغاز“ بحسب ”الميمز“ (Memes) التي انتشرت على الشبكات الاجتماعية فور الكشف عن ”آيفون 11“، إلا أن هذا ما سيُميّز المُنتج ويجعله بارزًا بين البقيّة، وهنا الحديث عن الأرقام المالية بكل تأكيد.

أما ”سايبرتراك“ فهي شاحنة ستدخل إلى سوق قيمته أكثر من 100 مليار دولار أمريكي نسبة الذكور فيه 89٪. سوق فيه نسبة الولاء لشركة ما أعلى من أي سوق آخر ولا يكترث زبائنه بالحصول على مُنتج صديق للبيئة يعمل بالكهرباء لأن الأهم هو الأداء والقوّة(6). هل ستُقرّر دخوله بتصميم مُشابه لأفضل شاحنة فيه، ”فورد إف150“، وستخسر بذلك فرصتك عن جدارة بناءً على الحقائق السابقة. أم ستدخله بمُنتج فريد من ناحية التصميم والميّزات على حد سواء، تصميم يجعل الناظر من على بُعد كيلومتر يُدرك أن الشاحنة القادمة هي شاحنة ”تيسلا“ الجديدة؟

كيف يُمكن لشخص في آخر الغُرفة إدراك أن الشخص الذي يقف مُقابله يحمل ”آيفون إكس“ أو ”آيفون إكس إس“ أو ”آيفون 11“؟ أو التمييز ما بين سمّاعات ”سامسونغ“ اللاسلكيّة من سمّاعات شركة ”بوز“ (Bose) من سمّاعات آبل ”إيربودز“؟

لو لم تجد الدراسات أن المظاهر هي أكثر ما يكترث إليه جيلنا الحالي لما شاهدنا فُستان رانيا يوسف ولا ”شاعر البلاط“ محمد رمضان، ولا حتى هواتف ذكيّة وشاحنات كهربائية بتصاميم مُثيرة للجدل، فالأمر كُلّه كان في يوم من الأيام مرهون بالمواهب، عند الحديث عن فئة رانيا ومحمد، والميّزات والأداء، عند الحديث عن فئة التقنية.

ومن هنا، فإن ”سايبرتراك“ ليست آخر شيء غريب سنُشاهده. فعملًا بالمُعادلة التي يجب أن تُدرّس اليوم: كُلّما زادت غرابة التصميم، كُلّما نجح في الوصول لشريحة أكبر بنجاح ساحق، جمعت ”تيسلا“ عزيزي القارئ أكثر من 14.6 مليون دولار أمريكي خلال 48 ساعة بعد استلام أكثر من 146 ألف طلب مُسبق على الشاحنة الجديدة التي لم يتم تحديد موعد بدء إنتاجها بالأساس!(7)

أما إثارة الجدل فهي نوعان، واحدة مدروسة بعناية من دون تنازلات، والأُخرى تقتصر بالأساس على ”التنازلات“ فقط، والفرق بينهما واضح.

مراجع

  1. شاحنة ”سايبرتراك“ (Cybertruck) من تيسلا
    https://www.tesla.com/cybertruck?redirect=no
  2. ”ماركيز براونلي“ وحديثه عن سوق الشاحنات والتشابه الكبير فيه
    https://www.youtube.com/watch?v=OX1xG0a4TVo
  3. ”إيلون موسك“ وتأسيس شركة ”بورينغ كومباني“ لحفر الأنفاق
    https://www.wired.com/story/elon-musk-awkward-dislike-mass-transit/
  4. ”إيلون موسك“ من استيطان المرّيخ إلى بيع القُبّعات وقاذفات اللهب
    https://feras.ws/blog/%d8%a5%d9%8a%d9%84%d9%88%d9%86-%d9%85%d9%88%d8%b3%d9%83-%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%81%d8%b6%d8%a7%d8%a1-%d9%88%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%8a%d8%b7%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d9%91%d9%8a%d8%ae/
  5. مبيعات سمّاعات ”إير بودز“ من آبل
    https://www.digitaltrends.com/mobile/airpods-upgrade-2019-all-new-design-2020/
  6. حجم سوق الشاحنات ونسبة الولاء للعلامات التجارية فيه
    https://twitter.com/wintonARK/status/1197764328725737472
  7. تيسلا استلمت أكثر من 146 ألف طلب مُسبق على شاحنة ”سايبرتراك“
    https://techcrunch.com/2019/11/23/tesla-cybertruck-reservations-hit-146000/
الوسوم
اظهر المزيد

فراس اللو

مُبرمج ومُطوّر تطبيقات ومواقع. صانع مُحتوى ومُحرّر تقني في موقع ميدان الجزيرة.

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. المقال جيد إلا أنه يفشل عند الحديث عن شاحنة تسلا الجديدة التي أعتبر إطلاقها فشلًا بامتياز من ناحية مالية.
    ألم تسمع بأن أسهم تسلا انخفضت ستة بالمئة بحيث جعلت ملايين الدولارات تتلاشى من حساب إيلون ماسك فقط لأن الزجاج انكسر؟.. ما يجعلني محتارًا جدًا لماذا يصر البعض أنو “واو” ما عمله رائع جدًا. لا أفهم أين الروعة في الموضوع.

    ما العبقرية التسويقية في جعل 768 مليون دولار تختفي؟
    للأمانة لا أرى أي حيل تسويقية بارعة في مخالفة المألوف لربما ضجة مؤقتة أوكيه لكن لن تستمر. هذا فضلًا إن سلمنا أن ما صنعه خارج المألوف.
    رابط مقال عن انخفاض أسهم تسلا بعد انكسار الزجاج:

    https://www.dailymail.co.uk/news/article-7718057/Teslas-share-price-falls-6-wiping-768M-Elon-Musks-fortune-shatterproof-windows-smash.html

    1. شكرًا لتعليقك صديقي.

      بخصوص أسهم تيسلا فهل استمر الحال عليه فيما بعد؟ سعر السهم بعد الكشف عن الشاحنة وصل إلى 333 دولار أمريكي. اليوم هو بسعر 358 دولار أمريكي تقريبًا، لذا فإن ذلك الانخفاض كان لحظي فقط وتركيز المُستثمرين لن يكون على يوم واحد فقط. الشركات الكُبرى لا تفتح باب الاستثمار لأي شخص وتفرض شروط مثل الحدّ الأدنى لعدد الأسهم الذي يُمكن شراؤه أو قيمة الشركة التي ترغب في الاستثمار لأن هذا الأمر يمنح استقرارًا في مجلس الإدارة أولًا، ولدى المُستثمرين ثانيًا. هذا النوع من المُستثمرين لا ينتظر أن تتضاعف قيمة اسهمه بعد يوم، أو أسبوع، أو سنة، بل هو في رحلة طويلة الأمد. البعض يضع سقف مُعيّن يبيع أسهمه عنده، والبعض الآخر لا سقف لطموحاته.

      فكرة أن الملايين تتلاشى من حساب إيلون هي فكرة نظرية بحتة لأن ثروة إيلون هي عبارة عن أسهم حاليًا، وحتى لو أراد بيع أسهمه في ذلك اليوم سيبقى دون خسارة، لماذا؟ لأن سعر سهم الشركة بدأ في 2010 عند 17 دولار أمريكي فقط. ولو أضفنا الملايين التي ضخّها إيلون من حسابه الشخصي لتمويل تيسلا سيبقى رابحًا بكل تأكيد.

      في النهاية، لا يُمكننا تأكيد أن كسر الزجاج حصل بشكل مقصود أم لا، فالمقال لم يتطرّق لذلك بالأساس. بل الحديث كان عن التصميم وغرابته بشكل عام.

      1. أنت محق تمامًا بخصوص لزوم متابعة الأسهم على مدى البعيد. لكن هذا ما فعلته بالضبط بالنسبة لإيلون ونظرًا لحماقته في تويتر التي كلفته ملايين الدولارات واستجوابا من السلطات المالية نظير الإفصاح عن معلومات حول مبيعات تسلا وبالنظر إلى فشل الأسقف المولدة للكهرباء التي تبنتها شركة ولمارت شخصيا لا أثق في قراراته وأنا أؤيد دعوات إقالته من منصب المدير التنفيذي.
        بخصوص الاسهم وكيفية شرائها تغير الوضع الآن عما كان عليه لا سيما مع ثورة غير مسبوقة في الفنتك، لذلك يمكن لمعظم الاشخاص (دون الشروط التي ذكرتها حضرتك) الاستثمار الآن في تسلا على سبيل المثال يمكنك استخدام هذا الموقع https://public.com/
        والاستثمار في تسلا.
        بقول هذا يمكن الخلوص أنه ما دامت الشركة مطروحة على العموم لا يمكن الحد من التقلبات بصورة دقيقة ولا حتى ما ذكرته من إجراءات وشروط لشراء وبيع الأسهم يتيح ذلك.
        سرني الحديث إليك
        واصل الإبداع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق