
السيد رئيس الجمهورية
تحيّة طيّبة وبعد،
اكتب لكم يا سيّدي من العام 2019 بعد زيارة قصيرة إلى “سنغافورة” (Singapore) في الشرق الآسيوي والفضول يحتريني لمعرفة رأيكم وتفسيراتكم لما شاهدته.
احتفلنا مع سعادتكم بافتتاح أول خط لقطار الأنفاق، “ميترو” (Metro)، قبل أشهر قليلة بعد سنوات طويلة من العمل والتأخيرات الخارجة عن السيطرة، لاتفاجئ سيّدي بوجود خمسة خطوط لقطار الأنفاق في “سنغافورة”، خطوط موجودة تحت الأرض مثلّما عهدنا إلا أنها مُرتّبة على هيئة سبعة أو ثمانية طوابق تحت الأرض. وتجدر الإشارة هُنا إلى أن هذه البلد استوائية، أي أن الأمطار فيها لا تتوقّف طوال السنة تقريبًا، ومع هذا لم تؤثّر المياه الجوفيّة!
القطارات سيّدي مُنظّمة بطريقة تمنع الازدحام، فهي في ساعات الذروة بتواتر مُختلف عن بقيّة أوقات النهار، ناهيك عن أنها تصل إلى المطار الرسمي للبلد، فالزائر لا يحتاج أبدًا لسيّارات الأُجرة أو إلى الحافلات للانتقال من، وإلى، المدينة. وهي بالمناسبة، أي القطارات، تُغطّي جميع الأماكن السيّاحيّة والمراكز الهامّة كذلك.
في ماليزيا، التي تتجاور مع “سنغافورة” في الحدود قاموا أيضًا ببناء قطارات مُعلّقة مرفوعة على جسور لتسريع عملية البناء وتحنّب الحفر طوال الوقت.
وبما أن الحديث عن المطار، تفاجئت سيّدي الرئيس بوجود حواسب داخل المطار لاستعادة الضرائب المدفوعة من قبل الأجانب دون الحاجة لإبراز وصولات الدفع أو الاصطفاف في طوابير، فالنظام بشكل آلي يعلم مُسبقًا ما قُمت بشرائه وعرض عليّ مُباشرة، دون تدخّل أي موظّف، باستعادة الضرائب نقدًا أو مُباشرةً إلى حسابي في البنك، وهذا بعد مسح جواز سفري فقط.
وفي وقت نحتاج فيه لأن نكون ضمن فئة مُعيّنة لدى مصارفنا للحصول على بطاقة للائتمان أو للحصول على بطاقة مزوّدة بشريحة إلكترونية لتسهيل عمليات الدفع، يعتمد المواطنون في “سنغافورة” على هواتفهم الذكيّة للدفع باستخدام خدمات من شركات مرموقة مثل آبل وغوغل، فلا حاجة للبطاقات بعد اليوم في ظل وجود الهاتف الذكي، أو الساعة الذكيّة، في كل مكان تقريبًا.
سمعنا من سيادتكم أننا نعيش في دولة مُسلمة تُحافظ على القيم الإنسانية، لكنهم في “سنغافورة” يبتسمون لأي شخص يُصادفونه في طريقهم. تخيّل أن موظّف المقهى يأتي بابتسامة على وجهه ويعتذر عند الخطأ دون مُنافشة الزبون! تخيّل أنهم لا يُحاولون تصيّد الأجانب أو التلاعب عليهم بالأسعار.
وللأمانة، تكلفة السكن في “سنغافورة” مُرتفعة جدًا جدًا مُقارنة بما وجدنا عليه آباؤنا. لكنها مُقارنة بدخل الفرد هناك تكون مقبولة نوعًا ما، على اعتبار أن الذكر والأنثى يعملان ويتشاركان المصاريف. العمل بالنسبة للأجانب لوحده حكاية هُنا، فالتنظيم الزائد الذي تعلّمناه من سيادتكم، الذي يفرض على الأجنبي تقديم مجموعة كبيرة من الأوراق والانتظار لفترة قد تتجاوز الشهرين للحصول على إقامة العمل الخاصة به، غير معمول به هُنا، فالموظّف وشركته يُقدّمان على الإنترنت ويحصلان على الرد بسرعة كبيرة جدًا مع الحاجة لاستلام البطاقة شخصيًّا أول مرّة فقط.
الحديث عن الأجنبي ذكّرني بوجود شركات على شاكلة أمازون وغوغل، آبل ومايكروسوفت، “باي بال” (PayPal) و”سترايب” (Stripe)، فيسبوك وتويتر، وغيرها الكثير بمكاتب فيها جميع الأقسام، أي أنها تقوم بتطوير المُنتجات الموجّهة لتلك المنطقة من العالم. وبالنظر إلى الاقتصاد في “سنغافورة”، لم نلمس سيّدي الرئيس أية آثار سلبيّة لوجودها، فالبلد تعيش في رخاء وتتوسّع وتستثمر وفق خطّة مدروسة لا تشوبها شائبة على ما يبدو.
السائح لقاء 9 دولار أمريكي تقريبًا يحصل على شريحة اتصال مُخصّصة للسيّاح تعمل لمدّة أسبوع كامل تدعم الجيل الرابع للاتصال 4G وبباقة مساحتها 100 غيغابايت! شريحة بسعر واحد داخل المطار وخارجه! حتى أن المطاعم والمقاهي لا تفرض أسعارًا سياحيّة -بما أننا تحدّثنا عن المطار مرّة أُخرى- فكل شيء داخل المدينة بنفس السعر تقريبًا في المطار!!!
الحديث هُنا دائمًا عن المُستقبل وعن تحسينه. المعارض الفنيّة تتحدّث عن المُستقبل وعن المشاكل التي نواجهها حاليًا وعن الآلية التي تتبعها الدولة لتسهيل حياة الأجيال القادمة. تفاجأت سيّدي أن الضرائب هي جزء من الحل وليست الحل الأوحد، فكل شيء يبدأ من المدارس منذ السنوات الأولى، مرورًا بحملات التوعية في كل مكان، وصولًا إلى الضرائب أو الغرامات إن صحّ التعبير.
في “سنغافورة” يبدو أنهم لا يحترمون قائدهم لأنني لم أرى أي صورة له لا في المطار، ولا في مراكز التسوّق، ولا حتى في محطّات القطارات، لعلّه سيّدي كان غائبًا عن الافتتاح ولم يحرص، مثل حضرتكم، على مُشاركة الجماهير الواسعة في كل شاردة وواردة.
لا أدري إن كُنتم على دراية بما يحدث هنا، إلا أن جزء من أفكاركم ومُنجزاتكم مسروقة هنا، وتحديدًا تلك التي تتحدّث عن اللحمة الوطنية وعن آلية قيادتكم لتوحيد جميع طوائف الشعب، فالشعب بالأساس مكوّن من ثلاثة أعراق تتحدّث لغات مُختلفة، إلا أن هذا الأمر لم يؤثّر عليهم وتراهم مُتناغمين يبتسمون لبعضهم البعض، وهو ما دفعني لظنّ السوء بهم واتهامهم بالسرقة لأن مثل هذه الأمور ذُكرت كثيرًا في صُحفنا المحليّة وهي منسوبة إليكم.
ختامًا، ما ورد أعلاه أربكني قليلًا لأن كلام الصُحف والاحتفالات بالإنجازات التي نشهدها بين الحين والآخر تبدو وكأنها قديمة العهد، انقضى عليها عقد من الزمن أو أكثر. فارجو من سيادتكم التأكّد من سلامة دور النشر ومن سرعة وصول المعلومة علّها مُشكلة في النظام لا أكثر. أو لرُبّما هناك سيناريو آخر، سيناريو نجحت فيه هذه الدول بإبهار الجميع والتلاعب بعقولهم لا أكثر، تمامًا مثل “هوليود” التي تلاعبت سابقًا بعقولنا ورسمت صورة لا أساس لها من الصحّة في مُخيّلاتنا.
شهتني روح شوفها 😀 بدها فيزا؟
اي بدا بس مو كتير صعبة على حد علمي.