ما الذي يدفع شركة لاستثمار 900 مليون دولار أمريكي في نوكيا Nokia بعد موتها؟
مرّة جديدة سأتناول بعض الأمور التسويقية الحديثة من منظور تقني أو ذو علاقة بالمحتوى التقني، بعد أن تحدّثت عنها سابقًا في مقالة نقل ميّزات سناب شات Snapchat إلى أنظمة تشغيل الهواتف الذكية على غرار أندرويد وiOS.
شركة نوكيا عادت بشكل مُفاجئ نوعًا ما إلى سوق الهواتف الذكية عندما أعلنت عن هاتف نوكيا 6 Nokia الجديد، والذي تستهدف فيه السوق الصينية بشكل أساسي، على أن تُطلق هواتف أُخرى في مناطق مُختلفة حول العالم.
طبعًا عودة نوكيا كانت عبر شركة HMD التي تأسست في مايو/أيار 2016 على يد مسؤولين سابقين في نوكيا ومايكروسوفت، وبالتالي فإن ولاء مثل هؤلاء الأشخاص هو من ساعد بالأساس بعودة اسم نوكيا للسوق من جديد. لكن لماذا قرّرت الشركة الجديدة باستثمار 900 مليون دولار أمريكي تقريبًا ما بين 350 مليون لشراء العلامة التجارية، و550 مليون للتسويق؟
طبعًا التساؤل يأتي في ظل ظهور أسماء جديدة مثل أوبو Oppo أو ون بلس OnePlus، وهي شركات نجحت في كسب حصّة لا بأس بها من السوق دون الحاجة لاستخدام اسم نوكيا أو بلاك بيري BlackBerry.
البديهي أن يقول البعض أن اسم نوكيا لوحده كفيل ببيع المُنتجات، وهذا أمر صحيح لو كنا نتحدّث في العهد القديم، عهد الابتكارات الذي برعت نوكيا فيه لفترة طويلة، لكن الآن كل شيء تغيّر، خصوصًا أن الهاتف لا يُقدّم تلك الابتكارات أيضًا.
كتاب All Marketers are Liars لـ Seth Godin تطرّق للحديث عن الرسم البياني لصناعة المنتجات في السابق وفي الوقت الراهن، وهو ما يُفسّر تمامًا سبب استثمار 900 مليون في نوكيا.
سابقًا كانت قيمة الابتكار رخيصة جدًا، أو غير مُكلفة في البدايات؛ ولنأخذ ستيف جوبز وستيف فوزنياك مثال على ذلك، فهم بدأوا من مرآب منزل جوبز. مع مرور الوقت تبدأ تكلفة الابتكار بالارتفاع، لكنها ما أن تدخل مرحلة الإنتاج حتى تدر الملايين على الشركات، أي أن مرحلة تصنيع المُنتجات كانت المرحلة التي تحصل الشركات فيها على مبالغ خيالية في وقت قياسي. بعدها تبدأ تكلفة الإنتاج بالانخفاض، والعائدات كذلك، وهي المرحلة التي يتولى التسويق فيها زمام الأمور، وهي المرحلة أيضًا التي تجعلنا نُشاهد عروض تخفيضات خيالية في الشركات، مثل اشترِ قطعة واحصل على الثانية مجانًا أو بخصم يصل إلى 70٪.
أما وفي الوقت الراهن، فقيمة الابتكار عالية جدًا وتنخفض مع مرور الوقت لحين الوصول إلى مرحلة الإنتاج التي تُمثّل الفترة الأقل من الناحية المالية؛ مثال على ذلك الأجهزة الذكية، أي شركة يُمكنها الآن دخول السوق وإنتاج هاتفها الخاص دون مشاكل، فالتكلفة أصبحت مُنخفضة جدًا، لكن ما يدفع عجلة المبيعات هو التسويق الحديث.
دعونا نعود لهاتف نوكيا 6، الجهاز يعمل بتقنيات موجودة في السوق وأسعارها أصبحت رخيصة، وبالتالي تكلفة إنتاجه ستكون مُتخفضة وليست بالشيء المُستحيل، وإلا لم تكن شركات مثل ون بلس أو شاومي Xiaomi لتدخل السوق أبدًا. لكن استثمار 900 مليون يأتي للتسوق الحديث القائم على سرد قصّة خلف المُنتج، أو بمعنى آخر، التسويق الذي يعكس هوية الشركة.
في سوق مُزدحم تحتاج لعناصر تسويق مُختلفة وذكية، شركة HMD راهنت على اسم نوكيا الذي يربط المُستخدم بتاريخ الهواتف وذكريات الحياة الجميلة والبسيطة الخالية من التعقيد، وهو ما أدّى إلى نفاذ الهاتف فور فتح باب الطلبات عليه بثواني معدودة. أما لو جاء نفس الهاتف من شركة جديدة، فالموضوع يحتاج لجهود أكبر لكسب رضا المُستخدمين وثقتهم، لتبدأ بعدها عجلة المبيعات الحقيقة له.
رهان HMD حاليًا على علامة نوكيا التجاري قد يكون ناجح، لكن هل لديه نفس طويل لدفع عجلة المبيعات لفترة طويلة استنادًا على الرسم البياني الحديث الخاص بإنتاج المُنتجات الحديثة؟ هذا ما ستُخبرنا الأيام به.