عام

وصول “جوزيه مورينيو” إلى توتنهام… دروس في الإدارة

لستُ من مُحبّي شخصيّة، ولا أسلوب، المُدرّب البُرتغالي “جوزيه مورينيو” (Jose Mourinho) الذي وصل مؤخّرًا إلى نادي تنوتنهام الإنكليزي بعد سنوات قضاها مع كل من تشلسي ومانشستر يونايتد. إلا أن مؤتمره الصحفي شهد الكثير من العبارات التي استوقفتني كشخص حاول سابقًا إدارة فريق تقني، عبارات فيها دروس بسيطة يُمكن لأي شخص الأخذ بها.

الميل بالكفّة

الإنسان بطبعه كائن عاطفي، يرتبط بالأشخاص وبالأماكن وهذا يفُسّر الانحياز الموجود ولو بنسب متفاوته. “مورينيو” لم يتعامل مع لاعبيه على أنهم دون ماضي وعلى أنه سيبدأ حقبة جديدة من الصفر، بل تحدّث بداية عن أن النادي مُمتن جدًا للمُدرّب السابق، “ماوريسيو بوشيتينو” (Mauricio Pochettino) الذي قضى خمسة أعوام ونصف مع تنوتنهام، وأن الأبواب مُشرّعة في أي وقت لعودته.

بهذه البساطة استمال “مورينيو” قلوب لاعبيه فهو حاول الارتباط معهم عاطفيًّا وشدّد على أهميّة مشاعرهم تجاه شخص ما وأنه ليس هنا لاستبدال الماضي أو لحدفه، بل يُشاطرهم هو نفس المشاعر.

عندما تبدأ بمنصب إداري جديد احذر كل الحذر الحديث بشكل سيّء عن الشخص الذي سبقك حتى وإن كانت هناك أحاديث سلبيّة تجاهه من قبل البعض، لأن البعض الآخر قد يكن مشاعر إيجابية له، وقد يعتبرك عدوًّا طوال الوقت لأنك تحدّثت عن غير قصد رُبّما عن الشخص السابق، وبالتالي سيتأثّر الإنجاز وستتداخل المشاعر.

اكمال المسيرة

البدايات دائمًا ما تكون مُحمّلة بالطاقة الإيجابيّة والحماسة، وسيشعر الشخص أنه قادر على زلزلة الأرض وإحداث تغييرات كبيرة جدًا. لم تصدّقني؟ فكّر في عودتك للنادي بعد انقطاع طويل، فورًا رسمت في مُخيّلتك جسم The Rock وجعلته هدفًا لك. الخطأ ليس في حجم الحلم، بل في عدم التخطيط بشكل سليم وفي عدم عمل اعتبار لطبيعة جسدك ومستوى نشاطك خلال الأشهر المُنقضية.

“مورينيو” عندما سُئل عن أسلوب اللعب الذي يرغب باتباعه أكّد أنه سيبني على الأساس الموجود حاليًا، وسيسعى لإضافة أفكاره شيئًا فشيئًا. وهو نفس أسلوب المُدرّب “كارلو أنشيليتو” (Carlo Ancelotti) تقريبًا. وجميعنا نعرف أن “مورينيو” عنيد بشكل كبير جدًا، إلا أنه استخدم ذكاءه -على الأقل نظريًّا- هذه المرّة.

بالمُناسبة، البدايات الجديدة ليست بنفس المشاعر عند الجميع، فالشخص الذي سيُجبره شخص آخر على تغيير روتينه وعاداته لن يكون سعيدًا، تمامًا مثل أن يُخبرك المُدرّب في النادي أن تمتنع عن التدخين.

المدرّب البرتغالي تجنّب إضافة ضغط جديد على لاعبيه وفتح باب من التساؤلات في أذهانهم، بل أخبرهم أن كل شيء سيبقى على ما هو، مع تغييرات طفيفة بين الحين والآخر لإصلاح بعض العيوب التي استطاع رصدها مع فريقه الفنّي.

في مجال الإدارة يجب أن تتبع نفس الأسلوب إلا لو كان السابق خاطئ بنسبة كبيرة. الأفضل هو إحداث نقلات جزئيّة بسيطة بحيث لا يشعر أعضاء الفريق بارتباك نفسي.

ازرع الثقة

أؤمن أن أنظمة التعليم الحالية في مُعظم دول العالم فيها شرخ كبير جدًا ليس بسبب المحتوى، فهذا بلاء لوحده، بل بسبب طريقة تقييم الإنسان. منذ نعومة الأظافر والشخص يحصل على تقييمه بناءً على الدرجات، فهو قادر على بناء درجة نجاحه اعتمادًا على ذلك المقياس. لكن ما أن يخرج للحياة العملية حتى يدخل في دوامة من الشعور بالإحباط لأنه لا يعلم بالضبط فيما إذا كان يُبلي حسنًا أما لا، لم تعد هناك درجات تقييم باستمرار، ونشوة الحصول على وظيفة جديدة ستختفي مع مرور الوقت.

الحظ لعب مع “مورينيو” لأنه توقّف عن العمل لمدّة 11 شهر، أي أنه وخلال الصيف الماضي استلم عشرات العروض للتدريب وقام برفضها جميعًا. كما أن تصريحاته قبل عامين أو ثلاثة عن قوّة توتنهام على صعيد حماية لاعبيه تصبّ في مصلحته أيضًا.

عندما وصل “السبيشل ون” إلى فريقه الجديد حرص على إخبار اللاعبين أنه يؤمن بهم وأنه جاء من أجلهم فقط. وقوف الحظ بجانبه سيُساعد اللاعبين على تصديقه.

تحتاج عند إدارة فريقك إلى زرع روح الثقة في نفس كل شخص، تحتاج لتذكير كل فرد بقيمته وبقيمة العمل الذي يقوم به لأن الأمور الماديّة كالراتب الشهري والمنصب، وحتى اسم الشركة، قد لا تكون كافيّة، فالإنسان كائن عاطفي بطبعه والمادّة شيء مؤقّت.

الذكاء العاطفي

“عليك أن تتعلّم كيف تعمل مع أشخاص لا تُحبّهم على الصعيد الشخصي” جملة بسيطة تشرح حقيقة غائبة في مُعظم الأماكن، شخص لا تُحبّه ولا تتوافق معه، الحل الوحيد في مُخيّلتنا هو التخلّص منه إما خارج الفريق أو خارج الشركة.

لا، العملية صعبة جدًا جدًا جدًا، والذكاء العاطفي ليش بالشيء السهل، إلا أن العمل يوميًا مع أشخاص لا يوجد “كيمياء” معهم أمر مطلوب على المستوى المهني طالما أنك تتبع القوانين وهم يتّبعونها أيضًا. وبعد انتهاء ساعات العمل، كلٌّ سيذهب في طريقه.

وفي نفس السياق، فإن ردّة الفعل في اللحظات الصعبة مُهمّة أيضًا. “بوشيتينو” أُقيل من مصبه وهذا قد يُسبّب له غضب تجاه الإدارة، إلا أن اللاعبين، أو على الأقل نسبة كبيرة منهم، لا ذنب لهم، وبالتالي قام المُدرّب السابق بكتابة رسالة وداع أخبرهم فيها أن الوقت لم يسمح له بوداعهم بشكل شخصي، لكنه شكرهم على كل شيء قاموا به.

إذا كانت نهاية حقبتك في منصبك بشكل غير متوقّع لا مشاكل، حافظ على ما يُمكنك الحفاظ عليه من علاقات ولا تُحمّل الجميع الذنب.

الوسوم
اظهر المزيد

فراس اللو

مُبرمج ومُطوّر تطبيقات ومواقع. صانع مُحتوى ومُحرّر تقني في موقع ميدان الجزيرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق